الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُمَّةٌ هَمٌّ وَضِيقٌ قَالَ مُجَاهِدٌ اقْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ يُقَالُ افْرُقْ اقْضِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ إِنْسَانٌ يَأْتِيهِ فَيَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَهُ النَّبَأُ الْعَظِيمُ الْقُرْآنُ صَوَابًا حَقًّا فِي الدُّنْيَا وَعَمَلٌ بِهِ الشرح: قوله (باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والبلاغ) في رواية الكشميهني " والإبلاغ " وعليها اقتصر ابن التين. قوله (لقوله تعالى: فاذكروني أذكركم) قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد: بين بهذه الآية أن ذكر العيد غير ذكر الله عبده لأن ذكر العبد الدعاء والتضرع والثناء وذكر الله الإجابة ثم ذكر حديث عمر رفعه، يقول الله تعالى: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين، قال ابن بطال معنى قوله باب ذكر الله بالأمر ذكر الله عباده بأن أمرهم بطاعته ويكون من رحمته لهم وإنعامه عليهم إذا أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه، وذكر العباد لربهم أن يدعوه ويتضرعوا إليه ويبلغوا رسالاته إلى الخلق، قال ابن عباس في قوله تعالى (اذكروني أذكركم) إذا ذكر العبد ربه وهو على طاعته ذكره برحمته، وإذا ذكره وهو على معصيته ذكره بلعنته، قال: ومعنى قوله (اذكروني أذكركم) اذكروني بالطاعة أذكركم بالمعونة، وعن سعيد بن جبير " اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة " وذكر الثعلبي في تفسير هذه الآية نحو أربعين عبارة أكثرها عن أهل الزهد ومرجعها إلى معنى التوحيد والثواب أو المحبة والوصل أو الدعاء والإجابة، وأما قوله: وذكر العباد بالدعاء إلى آخره، فجميع ما ذكره واضح في حق الأنبياء ويشركهم في الدعاء والتضرع سائر العباد، وحكى ابن التين أن ذكر العبد باللسان وعندما يهم بالسيئة، فيذكر مقام ربه فيكف، ونقل عن الداودي قال قوم إن هذا الذكر أفضل، قال: وليس كذلك، بل قوله بلسانه لا إله إلا الله مخلصا من قلبه أعظم من ذكره بقلبه ووقوفه عن عمل السيئة. قلت: إنما كان أعظم لأنه جمع بين ذكر القلب واللسان، وإنما يظهر التفاضل بصحة التقابل بذكر الله باللسان دون القلب، فإنه لا يكون أفضل من ذكره بالقلب في تلك الصورة، وأما وقوفه بسبب الذكر عن عمل السيئة فقدر زائد يزداد بسببه فضل الذكر، فظهر صحة ما نقله عن القوم دون ما تخيله. قوله (واتل عليهم نبأ نوح إلخ) قال ابن بطال أشار إلى أن الله ذكر نوحا بما بلغ به من أمره وذكر بآيات ربه، وكذلك فرض على كل نبي تبليغ كتابه وشريعته. وقال الكرماني: المقصود من ذكر هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم مذكور بأنه أمر بالتلاوة على الأمة والتبليغ إليهم أن نوحا كان يذكرهم بآيات الله وأحكامه. قوله (غمة: هم وضيق) هو تفسير قوله تعالى حكاية عن نوح " ثم لا يكن أمركم عليكم غمة " وهو بقية الآية المذكورة أولا وهي قوله تعالى قوله (قال مجاهد اقضوا إلى ما في أنفسكم افرق اقض) وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وقال غيره اظهروا الأمر وميزوه بحيث لا تبقى شبهة ثم اقضوا بما شئتم من قتل أو غيره من غير إمهال، وأما قوله افرق اقض فمعناه أظهر الأمر وأفصله بحيث لا تبقى شبهة، وفي بعض النسخ يقال افرق اقض فلا يكون من كلام مجاهد، ويؤيده إعادة قوله بعده وقال مجاهد. قوله (وقال مجاهد وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، إنسان يأتيه) أي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم (فيستمع ما يقوله وما أنزل عليه فهو آمن حتى يأتيه) في رواية الكشميهني " حين يأتيه"، (فيسمع كلام الله حتى يبلغ مأمنه حيث جاء) وصله الفريابي بالسند المذكور إلى مجاهد في هذه الآية قوله (والنبأ العظيم: القرآن) هو تفسير مجاهد، وصله الفريابي بالسند المذكور إليه قال ابن بطال: سمي نبأ لأنه ينبأ به، والمعنى به إذا سألوا عن النبأ العظيم فأجبهم وبلغ القرآن إليهم، قال الراغب: النبأ الخبر ذو الفائدة الجليلة يحصل به علم أو ظن غالب، وحق الخبر الذي يسمى نبأ أن يتعرى عن الكذب. قوله (صوابا: حقا في الدنيا وعمل به) قال ابن بطال: يريد قوله تعالى قلت: وهذا وصله الفريابي أيضا عن مجاهد بالسند المذكور. قال الكرماني: عادة البخاري أنه إذا ذكر آية مناسبة للترجمة يذكر معها بعض ما يتعلق بتلك السورة التي فيها تلك الآية مما ثبت عنده في تفسير ونحوه على سبيل التبعية انتهى، وكأنه لم يظهر له وجه مناسبة هذه الآية الأخيرة بالترجمة، والذي يظهر في مناسبتها أن تفسير قوله " صوابا " بقول الحق والعمل به في الدنيا يشمل ذكر الله باللسان والقلب مجتمعين ومنفردين فناسب قوله ذكر العباد بالدعاء والتضرع. (تنبيه) : لم يذكر في هذا الباب حديثا مرفوعا ولعله بيض له فأدبحه النساخ كغيره، واللائق به الحديث القدسي: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وقد تقدم قريبا فإنه يصح في قوله من ذكرني في ملأ - أي من الناس بالدعاء والتضرع - ذكرته في ملأ - أي من الملائكة - بالرحمة والمغفرة ثم وجدته في كتاب خلق أفعال العباد قد أورد حديث أبي هريرة الذي فيه " اقرؤوا إن شئتم: يقول العبد الحمد لله رب العالمين، فيقول الله حمدني عبدي - إلى أن قال - يقول العبد إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله هذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل " الحديث، قال البخاري فيه بيان أن سؤال العبد غير ما يعطيه الله وأن قول العبد غير كلام الله وهذا من العبد الدعاء والتضرع ومن الله الأمر والإجابة انتهى، وحديث أبي هريرة أخرجه مالك ومسلم وأصحاب السنن وليس هو على شرط البخاري في صحيحه فاكتفى فيه بالإشارة إليه وفي كتابه من ذلك نظائر. *3* وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَقَوْلِهِ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ وَ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَذَلِكَ إِيمَانُهُمْ وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ وَمَا ذُكِرَ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَكْسَابِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَا تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا بِالْحَقِّ بِالرِّسَالَةِ وَالْعَذَابِ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنْ الرُّسُلِ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ عِنْدَنَا وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ الْقُرْآنُ وَصَدَّقَ بِهِ الْمُؤْمِنُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ الشرح: قوله (باب قول الله تعالى فلا تجعلوا لله أندادا، وقوله: وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين) ثم ذكر آيات وآثارا إلى ذكر حديث ابن مسعود " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك " الند بكسر النون وتشديد الدال يقال له النديد أيضا وهو نظير الشيء الذي يعارضه في أموره، وقيل ند الشيء من يشاركه في جوهره وهو ضرب من المثل لكن المثل يقال في أي مشاركة كانت فكل ند مثل من غير عكس، قاله الراغب قال والضد أحد المتقابلين وهما الشيئان المختلفان اللذان لا يجتمعان في شيء واحد ففارق الند في المشاركة ووافقه في المعارضة، قال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب إثبات نسبة الأفعال كلها لله تعالى سواء كانت من المخلوقين خيرا أو شرا فهي لله تعالى خلق وللعباد كسب، ولا ينسب شيء من الخلق لغير الله تعالى فيكون شريكا وندا ومساويا له في نسبة الفعل إليه، وقد نبه الله تعالى عباده على ذلك بالآيات المذكورة وغيرها المصرحة بنفي الأنداد والآلهة المدعوة معه، فتضمنت الرد على من يزعم أنه يخلق أفعاله. وقال ما حذر به المؤمنين أو أثنى عليهم، ومنها ما وبخ به الكافرين، وحديث الباب ظاهر في ذلك. وقال الكرماني: الترجمة مشعرة بأن المقصود إثبات نفي الشريك عن الله سبحانه وتعالى، فكان المناسب ذكره في أوائل " كتاب التوحيد " لكن ليس المقصود هنا ذلك بل المراد بيان كون أفعال العباد بخلق الله تعالى، إذ لو كانت أفعالهم بخلقهم لكانوا أندادا لله وشركاء له في الخلق، ولهذا عطف ما ذكر عليه، وتضمن الرد على الجهمية في قولهم لا قدرة للعبد أصلا، وعلى المعتزلة حيث قالوا لا دخل لقدرة الله تعالى فيها، والمذهب الحق أن لا جبر ولا قدر بل أمر بين أمرين فإن قيل لا يخلو أن يكون فعل العبد بقدرة منه أولا إذ لا واسطة بين النفي والإثبات فعلى الأول يثبت القدر الذي تدعيه المعتزلة، وإلا ثبت الجبر الذي هو قول الجهمية، فالجواب أن يقال: بل للعبد قدرة يفرق بها بين النازل من المنارة والساقط منها، ولكن لا تأثير لها بل فعله ذلك واقع بقدرة الله تعالى، فتأثير قدرته فيه بعد قدرة العبد عليه، وهذا هو المسمى بالكسب، وحاصل ما تعرف به قدرة العبد أنها صفة يترتب عليها الفعل والترك عادة، وتقع على وفق الإرادة انتهى، وقد أطنب البخاري في كتاب خلق أفعال العباد في تقرير هذه المسألة واستظهر بالآيات والأحاديث والآثار الواردة عن السلف في ذلك، وغرضه هنا الرد على من لم يفرق بين التلاوة والمتلو، ولذلك أتبع هذا الباب بالتراجم المتعلقة بذلك، مثل باب: لا تحرك به لسانك لتعجل به، وباب: وأسروا قولكم أو اجهروا به وغيرهما، وهذه المسألة هي المشهورة بمسألة اللفظ، ويقال لأصحابها اللفظية، واشتد إنكار الإمام أحمد ومن تبعه على من قال لفظي بالقرآن مخلوق، ويقال إن أول من قاله الحسين بن علي الكرابيسي أحد أصحاب الشافعي الناقلين لكتابه القديم، فلما بلغ ذلك أحمد بدعه وهجره، ثم قال بذل داود بن علي الأصبهاني رأس الظاهرية وهو يومئذ بنيسابور فأنكر عليه إسحاق وبلغ ذلك أحمد فلما قدم بغداد لم يأذن له في الدخول عليه، وجمع ابن أبي حاتم أسماء من أطلق على اللفظية أنهم جهمية فبلغوا عددا كثيرا من الأئمة وأفرد لذلك بابا في كتابه الرد على الجهمية، والذي يتحصل من كلام المحققين منهم أنهم أرادوا حسم المادة صونا للقرآن أن يوصف بكونه مخلوقا، وإذا حقق الأمر عليهم لم يفصح أحد منهم بأن حركة لسانه إذا قرأ قديمة. وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات: مذهب السلف والخلف من أهل الحديث والسنة أن القرآن كلام الله وهو صفة من صفات ذاته، وأما التلاوة فهم على طريقتين، منهم من فرق بين التلاوة والمتلو ومنهم من أحب ترك القول فيه، وأما ما نقل عن أحمد بن حنبل أنه سوى بينهما فإنما أراد حسم المادة لئلا يتدرع أحد إلى القول بخلق القرآن، ثم أسند من طريقين إلى أحمد أنه أنكر على من نقل عنه أنه قال لفظي بالقرآن غير مخلوق، وأنكر على من قال لفظي بالقرآن مخلوق. وقال القرآن كيف تصرف غير مخلوق فأخذ بظاهر هذا، الثاني من لم يفهم مراده وهو مبين في الأول، وكذا نقل عن محمد بن أسلم الطوسي أنه قال: الصوت من المصوت كلام الله وهي عبارة رديئة لم يرد ظاهرها وإنما أراد نفي كون المتلو مخلوقا، ووقع نحو ذلك لإمام الأئمة محمد بن خزيمة، ثم رجع وله في ذلك مع تلامذته قصة مشهورة، وقد أملى أبو بكر الضبعي الفقيه أحد الأئمة من تلامذته ابن خزيمة اعتقاده وفيه لم يزل الله متكلما ولا مثل لكلامه لأنه نفي المثل عن صفاته كما نفي المثل عن ذاته، ونفى النفاد عن كلامه كما نفى الهلاك عن نفسه، فقال وقال غيره ظن بعضهم أن البخاري خالف أحمد وليس كذلك بل من تدبر كلامه لم يجد فيه خلافا معنويا، لكن العالم من شأنه إذا ابتلى في رد بدعة يكون أكثر كلامه في ردها دون ما يقابلها، فلما ابتلى أحمد بمن يقول القرآن مخلوق كان أكثر كلامه في الرد عليهم حتى بالغ فأنكر على من يقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق، وعلى من قال لفظي بالقرآن مخلوق لئلا يتدرع بذلك من يقول القرآن بلفظي مخلوق، مع أن الفرق بينهما لا يخفى عليه لكنه قد يخفى على البعض، وأما البخاري فابتلى بمن يقول أصوات العباد غير مخلوقة حتى بالغ بعضهم فقال والمداد والورق بعد الكتابة، فكان أكثر كلامه في الرد عليهم وبالغ في الاستدلال بأن أفعال العباد مخلوقة بالآيات والأحاديث، وأطنب في ذلك حتى نسب إلى أنه من اللفظية مع أن قول من قال إن الذي يسمع من القارئ هو الصوت القديم لا يعرف عن السلف، ولا قاله أحمد ولا أئمة أصحابه، وإنما سبب نسبة ذلك لأحمد قوله من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، فظنوا أنه سوى بين اللفظ والصوت، ولم ينقل عن أحمد في الصوت ما نقل عنه في اللفظ بل صرح في مواضع بأن الصوت المسموع من القارئ هو صوت القارئ، ويؤيده حديث زينوا القرآن بأصواتكم وسيأتي قريبا، والفرق بينهما أن اللفظ يضاف إلى المتكلم به ابتداء، فيقال عمن روى الحديث بلفظه، هذا لفظه ولمن رواه بغير لفظه هذا معناه ولفظه كذا، ولا يقال في شيء من ذلك هذا صوته فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه ليس هو كلام غيره، وأما قوله تعالى وقال تعالى وقال بعضهم: القرآن يطلق ويراد به المقروء وهو الصفة القديمة، ويطلق ويراد به القراءة وهي الألفاظ الدالة على ذلك، وبسبب ذلك وقع الاختلاف، وأما قولهم " إنه منزه عن الحروف والأصوات " فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة فهو من الصفات الموجودة القديمة، وأما الحروف فإن كانت حركات أدوات كاللسان والشفتين فهي أعراض، وإن كانت كتابة فهي أجسام، وقيام الأجسام والأعراض بذات الله تعالى محال، ويلزم من أثبت ذلك أن يقول بخلق القرآن وهو يأبى ذلك ويفر منه، فألجأ ذلك بعضهم إلى ادعاء قدم الحروف كما التزمته السالمية، ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته، ومن شدة اللبس في هذه المسألة كثر نهي السلف عن الخوض فيها واكتفوا باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولم يزيدوا على ذلك شيئا وهو أسلم الأقوال والله المستعان. قوله قوله (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك - إلى قوله - بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) ساق في رواية كريمة الآيتين بكمالهما، قال الطبري هذا من الكلام الموجز الذي يراد به التقديم، والمعنى: ولقد أوحي إليك لئن أشركت - إلى قوله - من الخاسرين، وأوحي إلى الذين من قبلك مثل ما أوحي إليك من ذلك، ومعنى ليحبطن: ليبطلن ثواب عملك انتهى، والغرض هنا تشديد الوعيد على من أشرك بالله، وأن الشرك محذر منه في الشرائع كلها وأن للإنسان عملا يثاب عليه إذا سلم من الشرك ويبطل ثوابه إذا أشرك. قوله قوله (وقال عكرمة إلخ) وصله الطبري عن هناد بن السري عن أبي الأحوص عن سماك بن حرب عن عكرمة في قوله تعالى قوله (وما ذكر في خلق أفعال العباد) في رواية الكشميهني " أعمال " والأول أكثر. قوله (وأكسابهم) بالجر عطفا على أفعال. وفي رواية " واكتسابهم " بزيادة مثناة، وقد تقدم القول في الكسب ويأتي الإلمام به في شرح قوله تعالى قوله (لقوله: وخلق كل شيء فقدره تقريرا) وجه الدلالة عموم قوله خلق كل شيء، والكسب شيء فيكون مخلوقا لله تعالى. قوله (وقال مجاهد ما تنزل الملائكة إلا بالحق يعني بالرسالة والعذاب) وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. قوله (ليسأل الصادقين عن صدقهم: المبلغين المؤدين من الرسل) هو في تفسير الفريابي أيضا بالسند المذكور، قال الطبري: معناه أخذت الميثاق من الأنبياء المذكورين كيما أسأل من أرسلتهم عما أجابتهم به أممهم. قوله (وإنا له لحافظون عندنا) هو أيضا من قول مجاهد أخرجه الفريابي بالسند المذكور. قوله (والذي جاء بالصدق: القرآن، وصدق به: المؤمن يقول يوم القيامة هذا الذي أعطيتني عملت بما فيه) وصله الطبري من طريق منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: الذي جاء بالصدق وصدق به هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة، يقولون هذا الذي أعطيتمونا عملنا بما فيه، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس الذي جاء بالصدق وصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله، ومن طريق لين إلى علي بن أبي طالب: الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر، ومن طريق قتادة بسند صحيح الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن والذي صدق به المؤمنون، ومن طريق السدي الذي جاء بالصدق وصدق به هو محمد صلى الله عليه وسلم، قال الطبري الأولى أن المراد بالذي جاء بالصدق كل من دعا إلى توحيد الله والإيمان برسوله وما جاء به والمصدق به المؤمنون ويؤيده أن ذلك ورد عقب قوله الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ الشرح: حديث ابن مسعود تقدم شرحه في باب إثم الزناة من " كتاب الحدود " وذكرت ما في سنده من الاختلاف على أبي وائل، والمراد هنا الإشارة إلى أن زعم أنه يخلق فعل نفسه يكون كمن جعل لله ندا، وقد ورد فيه الوعيد الشديد فيكون اعتقاده حراما. *3* الشرح: قوله (باب قوله تعالى: وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم. الآية) ساق في رواية كريمة الآية كلها فيه حديث " عبد الله " وهو ابن مسعود " اجتمع عند البيت " وفيه " يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا " فأنزل الله تعالى *3* وَقَوْلِهِ تَعَالَى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا وَأَنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ الشرح: قوله (باب قول الله تعالى: كل يوم هو في شأن) تقدم ما جاء في تفسيرها في سورة الرحمن في التفسير. قوله (وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث، وقوله: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) قال ابن بطال: غرض البخاري الفرق بين وصف كلام الله تعالى بأنه مخلوق وبين وصفه بأنه محدث، فأحال وصفه بالخلق وأجاز وصفه بالحدث اعتمادا على الآية، وهذا قول بعض المعتزلة وأهل الظاهر وهو خطأ لأن الذكر الموصوف في الآية بالأحداث ليس هو نفس كلامه تعالى لقيام الدليل على أن محدثا ومنشأ ومخترعا ومخلوقا ألفاظ مترادفة على معنى واحد فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته تعالى بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث، وإذا كان كذلك فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول لأن الله تعالى قد سماه في قوله تعالى وقال بعضهم: في هذه الآية أن مرجع الأحداث إلى الإتيان لا إلى الذكر القديم، لأن نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شيئا بعد شيء فكان نزوله يحدث حينا بعد حين كما أن العالم يعلم ما لا يعلمه الجاهل فإذا علمه الجاهل حدث عنده العلم ولم يكن إحداثه عند التعلم إحداث عين المعلم. قلت: والاحتمال الأخير أقرب إلى مراد البخاري لما قدمت قبل أن مبنى هذه التراجم عنده على إثبات أن أفعال العباد مخلوقة ومراده هنا الحدث بالنسبة للإنزال، وبذلك جزم ابن المنير ومن تبعه. وقال الكرماني صفات الله تعالى سلبية ووجودية وإضافية، فالأولى: هي التنزيهات، والثانية: هي القديمة، والثالثة: الخلق والرزق، وهي حادثة ولا يلزم من حدوثها تغير في ذات الله ولا في صفاته الوجودية، كما أن تعلق العلم وتعلق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادث وكذا جميع الصفات الفعلية، فإذا تقرر ذلك فالإنزال حادث والمنزل قديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة فالمذكورة وهو القرآن قديم والذكر حادث، وأما ما نقله ابن بطال عن المهلب ففيه نظر لأن البخاري لا يقصد ذلك ولا يرضى بما نسب إليه إذ لا فرق بين مخلوق وحادث لا عقلا ولا نقلا ولا عرفا. وقال ابن المنير قيل ويحتمل أن يكون مراده حمل لفظ محدث على الحديث فمعنى ذكر محدث أي متحدث به. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية، فقال له هشام محدث إلينا محدث إلى العباد، وعن أحمد بن إبراهيم الدورقي نحوه، ومن طريق نعيم بن حماد قال محدث عند الخلق لا عند الله، قال وإنما المراد أنه محدث عند النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بعد أن كان لا يعلمه، وأما الله سبحانه فلم يزل عالما وقال في موضع آخر: كلام الله ليس بمحدث لأنه لم يزل متكلما لا أنه كان لا يتكلم حتى أحدث كلاما لنفسه فمن زعم ذلك فقد شبه الله بخلقه لأن الخلق كانوا لا يتكلمون حتى أحدث لهم كلاما فتكلموا به. وقال الراغب: المحدث ما أوجد بعد أن لم يكن وذلك إما في ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده، ويقال لكل ما قرب عهده حدث فعالا كان أو مقالا. وقال غيره في قوله تعالى وقال ابن التين احتج من قال بخلق القرآن بهذه الآية، قالوا: والمحدث هو المخلوق والجواب أن لفظ الذكر في القرآن يتصرف على وجوه الذكر بمعنى العلم، ومنه (فسألوا أهل الذكر) والذكر بمعنى العظة، ومنه وقال الداودي الذكر في هذه الآية هو القرآن وهو محدث عندنا وهو من صفاته تعالى، ولم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته، قال ابن التين: وهذا منه - أي من الداودي - عظيم، واستدلاله يرد عليه فإنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم فكيف تكون صفته محدثة وهو لم يزل بها إلا أن يزيد أن المحدث غير المخلوق كما يقول البلخي ومن تبعه، وهو ظاهر كلام البخاري حيث قال: وإن حدثه لا يشبه حديث المخلوقين فأثبت أنه محدث انتهى، وما استعظمه من كلام الداودي هو بحسب ما تخيله، وإلا فالذي يظهر أن مراد الداودي أن القرآن هو الكلام القديم الذي هو من صفات الله تعالى وهو غير محدث وإنما يطلق الحدث بالنسبة إلى إنزاله إلى المكلفين وبالنسبة إلى قراءتهم له وإقرائهم غيرهم ونحو ذلك، وقد أعاد الداودي نحو هذا في شرح قول عائشة " ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى " قال الداودي: فيه أن الله تكلم ببراءة عائشة حين أنزل براءتها بخلاف قول بعض الناس أنه لم يتكلم، فقال ابن التين أيضا هذا من الداودي عظيم لأنه يلزم منه أن يكون الله تعالى متكلما بكلام حادث فتحل فيه الحوادث تعالى الله عن ذلك، وإنما المراد بأنزل أن الإنزال هو المحدث ليس أن الكلام القديم نزل الآن انتهى، وهذا مراد البخاري، وقد قال في كتاب خلق أفعال العباد قال أبو عبيد، يعني القاسم بن سلام: احتج هؤلاء الجهمية بآيات وليس فيما احتجوا به أشد بأسا من ثلاث آيات قوله قوله (وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحدث من أمره ما يشاء وأن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة) هذا طرف من حديث أخرجه أبو داود واللفظ له وأحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي السلام فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى صلاته قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة. وفي رواية النسائي " وإن مما أحدث " وأصل هذه القصة في الصحيحين من رواية علقمة عن ابن مسعود لكن قال فيها " إن في الصلاة لشغلا " وقد مضى في أواخر الصلاة وفي هجرة الحبشة، وتقدم شرحه في الصلاة وليس فيه مقصود الباب. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ الشرح: قوله (كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم) هذه رواية عكرمة عنه ورواية عبيد الله بن عبد الله وهو ابن عتبة عنه " يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء". قوله (وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله) هذه رواية عكرمة ورواية عبيد الله " وكتابكم الذي أنزل الله عليكم أحدث الأخبار بالله أي أقربها نزولا إليكم وأخبارا من الله سبحانه وتعالى وقد جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى اللفظ الذي يريده وإيراده لفظا آخر غيره فإنه أورد أثر ابن عباس بلفظ " أقرب " وهو عنده في الموضع الآخر بلفظ " أحدث " وهو أليق بمراده هنا وقد جاء نظير هذا الوصف من كلام كعب الأحبار منسوبا إلى الله سبحانه وتعالى فأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن عاصم بن بهدلة عن مغيث بن سمي قال قال كعب عليكم بالقرآن فإنه أحدث الكتب عهدا بالرحمن، زاد في رواية أخرى عن كعب: وأن الله تعالى قال في التوراة: يا موسى إني منزل عليك توراة حديثة أفتح بها أعينا عميا وآذنا صما وقلوبا غلفا. قوله (تقرءونه محضا لم يشب) هذا آخر حديث عكرمة وقوله " لم يشب " بضم أوله وفتح الشين المعجمة وسكون الموحدة، أي لم يخالطه غيره، وزاد عبيد الله في روايته " وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا إلخ " يشير إلى قوله (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم - إلى - يكسبون) وقوله " ليشتروا بذلك " في رواية المستملي " ليشتروا به " وقوله " عن الذي أنزل عليكم " في رواية المستملي " إليكم " وقوله " جاءكم من العلم " إسناد المجيء إلى العلم كإسناد النهي إليه. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاللَّهِ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَغَيَّرُوا فَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكُتُبَ قَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلًا أَوَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ الشرح: قوله (فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم) فيه تأكيد الخبر بالقسم " وكأنه يقول: لا يسألونكم عن شيء مع علمهم بأن كتابكم لا تحريف فيه، فكيف تسألونهم وقد علمتم أن كتابهم محرف". *3* وَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا مَعَ عَبْدِي حَيْثُمَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ الشرح: قوله (باب قوله تعالى: لا تحرك به لسانك) يعني إلى آخر الآية. قوله (وفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي) قد بينه في حديث الباب بأنه كان يعالج شدة من أجل تحفظه فلما نزلت صار يستمع فإذا ذهب الملك قرأه كما سمعه. قوله (وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: أنا مع عبدي إذا ذكرني) في رواية الكشميهني " ما ذكرني " (وتحركت بي شفتاه) هذا طرف من حديث أخرجه أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد والطبراني من رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن كريمة بنت الحسحاس بمهملات عن أبي هريرة فذكره بلفظ " إذا ذكرني " وفي رواية لأحمد " حدثنا أبو هريرة ونحن في بيت هذه - يعني أم الدرداء - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ربيعة بن يزيد الدمشقي عن إسماعيل بن عبيد الله قال دخلت على أم الدرداء فلما سلمت جلست فسمعت كريمة بنت الحسحاس وكانت من صواحب أبي الدرداء قالت سمعت أبا هريرة رضي الله عنه وهو في بيت هذه تشير إلى أم الدرداء سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول، فذكره بلفظ " ما ذكرني " وأخرجه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم من رواية الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي هريرة، ورواه ابن حبان في صحيحه من رواية الأوزاعي عن إسماعيل عن كريمة عن أبي هريرة، ورجح الحفاظ طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وربيعة بن يزيد، ويحتمل أن يكون عند إسماعيل عن كريمة وعن أم الدرداء معا وهذا من الأحاديث التي علقها البخاري ولم يصلها في موضع آخر من كتابه وبالله التوفيق، قال ابن بطال: معنى الحديث أنا مع عبدي زمان ذكره لي، أي أنا معه بالحفظ والكلاءة لا أنه معه بذاته حيث حل العبد، ومعنى قوله " تحركت بي شفتاه " أي تحركت باسمي لا أن شفتيه ولسانه تتحرك بذاته تعالى لاستحالة ذلك انتهى ملخصا. وقال الكرماني المعية هنا معية الرحمة، وأما في قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا فَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ قَالَ جَمْعُهُ فِي صَدْرِكَ ثُمَّ تَقْرَؤُهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَقْرَأَهُ الشرح: ثم ذكر حديث ابن عباس في قوله تعالى
*3* إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ يَتَخَافَتُونَ يَتَسَارُّونَ الشرح: قوله (باب قول الله تعالى: وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) أشار بهذه الآية إلى أن القول أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره فإن كان بالقرآن فالقرآن كلام الله وهو من صفات ذاته فليس بمخلوق لقيام الدليل القاطع بذلك، وإن كان بغيره فهو مخلوق، بدليل قوله تعالى وقال ابن المنير: ظن الشارح أنه قصد بالترجمة إثبات العلم وليس كما ظن وإلا لتقاطعت المقاصد مما اشتملت عليه الترجمة لأنه لا مناسبة بين العلم وبين حديث: ليس منا من لم يتغن بالقرآن وإنما قصد البخاري الإشارة إلى النكتة التي سبب محنته بمسألة اللفظ فأشار بالترجمة إلى أن تلاوة الخلق تتصف بالسر والجهر ويستلزم أن تكون مخلوقة، وساق الكلام على ذلك وقد قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بعد أن ذكر عدة أحاديث دالة على ذلك فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أصوات الخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم وألسنتهم مختلفة بعضها أحسن وأزين وأحلى وأصوت وأرتل وألحن وأعلى وأخفض وأغص وأخشع وأجهر وأخفى وأقصر وأمد وألين من بعض. قوله (يتخافتون يتسارون) بتشديد الراء والسين مهملة وفي بعضها بشين معجمة وزيادة واو بغير تثقيل، أي يتراجعون فيما بينهم سرا. الحديث: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ عَنْ هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا قَالَ نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا الشرح: ثم ذكر حديث ابن عباس في نزول قوله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا فِي الدُّعَاءِ الشرح: وحديث عائشة أنها نزلت في الدعاء، وقد تقدم شرحهما في تفسير سبحان. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَزَادَ غَيْرُهُ يَجْهَرُ بِهِ الشرح: وحديث أبي هريرة: ليس منا من لم يتغن بالقرآن، وزاد غيره، يجهر به، أورده من طريق ابن جريج حدثنا ابن شهاب وقد مضى في فضائل القرآن، وفي باب قول الله تعالى وقال الحاكم بن نصر ورجح الأول أبو علي الجياني و " أبو عاصم " هو النبيل وهو من شيوخ البخاري قد أكثر عنه بلا واسطة وأقرب ذلك في أول حديث من كتاب التوحيد. *3* فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ يَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ فَبَيَّنَ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْكِتَابِ هُوَ فِعْلُهُ وَقَالَ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ الشرح: قوله (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار) في رواية الكشميهني " والنهار " بحذف " وآناء " الثانية. قوله (ورجل يقول لو أوتيت مثل ما أوتى هذا فعلت كما يفعل) قال الكرماني: كذا أورد الترجمة مخرومة إذ ذكر من صاحب القرآن حال المحسود فقط ومن صاحب المال حال الحاسد فقط ولكن لا لبس في ذلك لأنه اقتصر على ذكر حالي حامل القرآن حاسدا ومحسودا وترك حال ذي المال. قوله (فبين أن قيامه بالكتاب هو فعله) في رواية الكشميهني " أن قراءته الكتاب هو فعله". قوله (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم. وقال: وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) أما الآية الأولى فالمراد منها اختلاف ألسنتكم لأنها تشمل الكلام كله فتدخل القراءة، وأما الآية الثانية فعموم فعل الخير يتناول قراءة القرآن والذكر والدعاء وغير ذلك، فدل على أن القراءة فعل القارئ. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ الشرح: ثم ذكر حديث أبي هريرة لا تحاسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ سَمِعْتُ سُفْيَانَ مِرَارًا لَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ الْخَبَرَ وَهُوَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ الشرح: وحديث سالم عن " أبيه " وهو عبد الله بن عمر: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به، وقد مضى شرح المتن في فضائل القرآن، وقوله "سمعت من سفيان مرارا " هو كلام " علي بن عبد الله " وهو ابن المديني شيخ البخاري، وقوله "لم أسمعه يذكر الخبر " أي ما سمعه منه إلا بالعنعنة. قوله (وهو من صحيح حديثه) قلت قد أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة قال حدثنا " سفيان " هو ابن عيينة قال حدثنا الزهري عن سالم به قال ابن المنير دلت أحاديث الباب الذي قبله على أن القراءة فعل القارئ وأنها تسمى تغنيا، وهذا هو الحق اعتقادا لا إطلاقا حذرا من الإيهام وفرارا من الابتداع بمخالفة السلف في الإطلاق وقد ثبت عن البخاري أنه قال: من نقل عني أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب، وإنما قلت إن أفعال العباد مخلوقة، قال: وقد قارب الإفصاح في هذه الترجمة بما رمز إليه في التي قبلها. *3* وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَاتِهِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ مِنْ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَقَالَ تَعَالَى أُبْلِغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِئٍ فَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ وَقَالَ مَعْمَرٌ ذَلِكَ الْكِتَابُ هَذَا الْقُرْآنُ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ بَيَانٌ وَدِلَالَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ لَا رَيْبَ لَا شَكَّ تِلْكَ آيَاتُ يَعْنِي هَذِهِ أَعْلَامُ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ يَعْنِي بِكُمْ وَقَالَ أَنَسٌ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَهُ حَرَامًا إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ الشرح: قوله (باب قول الله عز وجل يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته) كذا للجميع وظاهره اتحاد الشرط والجزاء لأن معنى " إن لم تفعل: لم تبلغ " لكن المراد من الجزاء لازمه فهو كحديث " ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه " واختلف في المراد بهذا الأمر، فقيل المراد بلغ كما أنزل، وهو على ما فهمت عائشة وغيرها، وقيل المراد بلغه ظاهرا ولا تخش من أحد فإن الله يعصمك من الناس، والثاني أخص من الأول وعلى هذا لا يتحد الشرط والجزاء لكن الأولى قول الأكثر لظهور العموم في قوله تعالى (ما أنزل) والأمر للوجوب فيجب عليه تبليغ كل ما أنزل إليه والله أعلم، ورجح الأخير ابن التين ونسبه لأكثر أهل اللغة، وقد احتج أحمد بن حنبل بهذه الآية على أن القرآن غير مخلوق لأنه لم يرد في شيء من القرآن ولا من الأحاديث أنه مخلوق ولا ما يدل على أنه مخلوق، ثم ذكر عن الحسن البصري أنه قال: لو كان ما يقول الجعد حقا لبلغه النبي صلى الله عليه وسلم. قوله (وقال الزهري من الله الرسالة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم) هذا وقع في قصة أخرجها الحميدي في النوادر ومن طريقه الخطيب، قال الحميدي: حدثنا سفيان قال: قال رجل للزهري يا أبا بكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من شق الجيوب، ما معناه فقال الزهري: من الله العلم وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم، وهذا الرجل هو الأوزاعي أخرجه ابن أبي عاصم في " كتاب الأدب " وذكر ابن أبي الدنيا عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال " قلت للزهري " فذكره. قوله (وقال الله تعالى ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وقال أبلغكم رسالات ربي) قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بعد أن ساق قوله تعالى وقال في الكتاب المذكور أيضا قوله تعالى (بلغ ما أنزل إليك من ربك " هو مما أمر به، وكذلك أقيموا الصلاة، والصلاة بجملتها طاعة الله وقراءة القرآن من جملة الصلاة، فالصلاة طاعة والأمر بها قرآن، وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء على الألسنة فالقراءة والحفظ والكتابة مخلوقة والمقروء والمحفوظ والمكتوب ليس بمخلوق، ومن الدليل عليه أنك تكتب الله وتحفظه وتدعوه فدعاؤك وحفظك وكتابتك وفعلك مخلوق والله هو الخالق. قوله (وقال كعب بن مالك حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) قد تقدم هذا مسندا في تفسير براءة في حديثه الطويل وفي آخره قال الله تعالى قلت: ومراد البخاري تسمية ذلك عملا كما تقدم من كلامه في الذي قبله. قوله (وقالت عائشة إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد) قلت: زعم مغلطاي أن عبد الله بن المبارك أخرج هذا الأثر في كتاب البر والصلة عن سفيان عن معاوية بن إسحاق عن عروة عن عائشة وقد وهم في ذلك، وإنما وقع هذا في قصة ذكرها البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من رواية عقيل عن ابن شهاب عن عروة " عن عائشة قالت: وذكرت الذي كان من شأن عثمان، وددت أني كنت نسيا منسيا فوالله ما أحببت أن ينتهك من عثمان أمر قط إلا انتهك مني مثله حتى والله لو أحببت قتله لقتلت، يا عبيد الله بن عدي لا يغرنك أحد بعد الذين تعلم فوالله ما احتقرت من أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم النفر الذين طعنوا في عثمان فقالوا قولا لا يحسن مثله وقرءوا قراءة لا يحسن مثلها وصلوا صلاة لا يصلى مثلها فلما تدبرت الصنيع إذا هم والله ما يقاربون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن قول امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد " وأخرجه ابن أبي حاتم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني عروة أن عائشة كانت تقول: احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نجم القراء الذين طعنوا على عثمان فذكر نحوه وفيه " فوالله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن عمل امرئ منهم فقل اعملوا إلخ " والمراد بالقراء المذكورين الذين قاموا على عثمان وأنكروا عليه أشياء اعتذر عن فعلها، ثم كانوا مع علي ثم خرجوا بعد ذلك على علي، وقد تقدمت أخبارهم مفصلة في " كتاب الفتن " ودل سياق القصة على أن المراد بالعمل ما أشارت إليه من القراءة والصلاة وغيرهما فسمت كل ذلك عملا، وقولها في آخره " ولا يستخفنك أحد " بالخاء المعجمة المكسورة والفاء المفتوحة والنون الثقيلة للتأكيد، قال ابن التين عن الداودي معناه: لا تغتر بمدح أحد وحاسب نفسك، والصواب ما قاله غيره أن المعنى لا يغرنك أحد بعمله فتظن به الخير إلا أن رأيته واقفا عند حدود الشريعة. قوله (قال معمر ذلك الكتاب، هذا القرآن: هدى للمتقين: بيان ودلالة كقوله: ذلكم حكم الله هذا حكم الله، لا ريب فيه: لا شك، تلك آيات الله، يعني هده أعلام القرآن ومثله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم، يعني بكم) ، " معمر " هذا هو ابن المثنى اللغوي أبو عبيدة وهذا المنقول عنه ذكره في كتاب مجاز القرآن ووهم من قال إنه معمر بن راشد شيخ عبد الرزاق، وقد اغتر مغلطاي بذلك فزعم أن عبد الرزاق أخرج ذلك في تفسره عن معمر، وليس ذلك في شيء من نسخ تفسير عبد الرزاق ولفظ أبي عبيدة " ذلك الكتاب " معناه هذا القرآن، قال وقد تخاطب العرب الشاهد بمخاطبة الغائب، وقد أنكر ثعلب هذه المقالة وقال استعمال أحد اللفظين موضع الآخر يقلب المعنى، وإنما المراد هذا القرآن هو ذلك الذي كانوا يستفتحون به عليكم. وقال الكسائي: لما كان القول والرسالة من السماء والكتاب والرسول في الأرض قيل ذلك يا محمد. وقال الفراء هو كقولك للرجل وهو يحدثك: وذلك والله الحق، فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب وإنما المعنى ذلك الذي سمعت به، واستشهد أبو عبيدة بقوله تعالى وقال أيضا لا ريب فيه: لا شك فيه، هدى للمتقين: أي بيان للمتقين، ومناسبة هذه الآية لما تقدم من جهة أن الهداية نوع من التبليغ. وقال في تفسير سورة أخرى تلك آيات: هذه آيات وقال في تفسير سورة أخرى؛ الآيات: الأعلام وهذا قد تقدم في تفسير سورة يونس التنبيه عليه، وأما قوله " ومثله حتى إذا كنتم " فمراده أنه نظير استعمال ذلك موضع هذا، فلما ساغ استعمال ما هو للبعيد للقريب جاز استعمال ما هو للغائب للحاضر، ولفظ " مثله " بكسر الميم وسكون المثلثة، وضبطه بعضهم بضم الميم والمثلثة واللام وهو بعيد، والأول هو الموجود في كتاب أبي عبيدة قاله في مقدمة كتابه المذكور، فإنه قال: ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ثم حول إلى مخاطبة الغائب، قوله تعالى الحديث الأول: قوله (وقال أنس بعث النبي صلى الله عليه وسلم خاله حراما إلى قوم وقال أتؤمنوني حتى أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم) هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الجهاد من طريق همام عن إسحاق بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين راكبا فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا كنتم قريبا مني، فتقدم فأمنوه فبينما هو يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر القصة ولفظه في المغازي عن أنس فانطلق حرام أخو أم سليم فذكره، وفيه " وإن قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم وأومؤوا إلى رجل منهم فأتاه فطعنه من خلفه " الحديث، وسياقه في المغازي أقرب إلى اللفظ المعلق هنا، وفي السياق حذف تقديره بعد قوله أتيتم أصحابكم، فأتى المشركين فقال أتؤمنوني. الحديث: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ الْمُغِيرَةُ أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ الشرح: قول (حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي) كذا للأكثر، ووقع في رواية القابسي " عن أبي زيد سعيد بن عبد الله " بفتح العين وسكون الموحدة قال أبو علي الجياني وكذا كان في نسخة أبي محمد الأصيلي إلا أنه أصلحه " عبيد الله " بالتصغير وقال هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية. قوله (عن جبير بن حية) بمهملة وتحتانية ثقيلة و " جبير " هو والد زياد بن جبير الراوي عنه. قوله (قال المغيرة) هو ابن شعبة. قوله (أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة) هذا القدر هو المرفوع من الحديث، وقد مضى بطوله وشواهده في " كتاب الجزية " وبيان الاختلاف في ضبط المعتمر بن سليمان المذكور في سنده بما أغنى عن إعادته. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْيِ فَلَا تُصَدِّقْهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ الشرح: قوله (حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا. وقال ممد حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا عن شعبة إسماعيل بن أبي خالد) أما " محمد بن يوسف " فهو الفريابي كما جزم به أبو نعيم في المستخرج وأما " سفيان " فهو الثوري، وأما " إسماعيل " فهو ابن أبي خالد المذكور في الرواية الثانية، وأما " محمد " المذكور أول الرواية الثانية فيحتمل أن يكون هو محمد بن يوسف الفريابي المذكور في الرواية الأولى فيكون موصولا، ويحتمل أن يكون غيره فيكون معلقا وهو مقتضى صنيع المزي، وأما أبو نعيم فقال في المستخرج " رواه عن محمد عن أبي عامر " ومقتضاه أن يكون وقع عنده حدثنا محمد أو قال لي محمد لأن عادته إذا وقع بصيغة قال مجردة أن يقول أخرجه بلا رواية يعني صيغة صريحة، و " أبو عامر العقدي " هو عبد الملك بن عمرو، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أحمد بن ثابت عن أبي عامر العقدي مثل ما ساقه البخاري وزاد " من حدثك أن الله رآه أحد من خلقه فلا تصدقه، إن الله يقول لا تدركه الأبصار " وقد تقدم هذا القدر مفردا في باب قول الله تعالى الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ ثُمَّ أَيْ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ ثُمَّ أَيْ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهَا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ الْآيَةَ الشرح: حديث " عبد الله " هو ابن مسعود " أي الذنب أكبر " تقدم قريبا في باب قوله تعالى
|